فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (22):

{وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)}
{وأمددناهم بفاكهة وَلَحْمٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} أي وزدناهم على ما كان لهم من مبادئ التنعم وقتًا فوقتًا مما يشتهون من فنون النعماء وألوان الآلاء، وأصل المدّ الجر، ومنه المدّة للوقت الممتد ثم شاع في الزيادة، وغلب الإمداد في المحبوب، والمدّ في المكروه وكونه وقتًا بعد وقت مفهوم المدّ نفسه.

.تفسير الآية رقم (23):

{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)}
{يتنازعون فِيهَا كَأْسًا} أي يتجاذبونها في الجنة هم وجلساؤهم تجاذب ملاعبة كما يفعل ذلك الندامى بينهم في الدنيا لشدة سرورهم قال الأخطل:
نازعته طيب الراح الشمول وقد ** صاح الدجاج وحانت وقعة الساري

وقيل: التنازع مجاز عن التعاطي، والكأس مؤنث سماعي كالخمر، ولا تسمى كأسًا على المشهور إلا إذا امتلأت خمرًا أو كانت قريبة من الامتلاء، وقد تطلق على الخمر نفسها مجازًا لعلاقة المجاورة، وقال الراغب: الكأس الإناء بما فيه من الشراب ويسمى كل واحد منهما بانفراده كأسًا، وفسرها بعضهم هنا بالإناء بما فيه من الخمر، وبعضهم بالخمر، والأول: أوفق بالتجاذب، والثاني: بقوله سبحانه: {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} أي في شربها حيث لا يتكلمون في أثناء الشرب بلغو الحديث وسقط الكلام {وَلاَ تَأْثِيمٌ} ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله أي ينسب إلى الإثم لو فعله في دار التكليف كما هو ديدن الندامى في الدنيا وإنما يتكلمون بالحكم وأحاسن الكلام ويفعلون ما يفعله الكرام، وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو {لاَّ لَغْوٌ} {وَلاَ تَأْثِيمٌ} بفتحهما.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)}
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} أي بالكأس {غِلْمَانٌ لَّهُمْ} أي مماليك مختصون بهم كما يؤذن به اللام ولم يقل غلمانهم بالإضافة لئلا يتوهم أنهم الذين كانوا يخدمونهم في الدنيا فيشفق كل من خدم أحدًا في الدنيا أن يكون خادمًا له في الجنة فيحزن بكونه لا يزال تابعًا، وقيل: أولادهم الذين سبقوهم فالاختصاص بالولادة لا بالملك، وفيه أن التعبير عنهم بالغلمان غير مناسب وكذا نسبة الخدمة إلى الأولاد لا تناسب مقام الامتنان {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} مصون في الصدف لم تنله الأيدي كما قال ابن جبير ووجه الشبه البياض والصفاء، وجوز أن يراد كنون مخزون لأنه لا يخزن إلا الحسن الغالي الثمن، أخرج عبد الرزاق. وابن جرير. وابن المنذر عن قتادة قال: بلغني أنه قيل:«يا رسول الله هذا الخادم مثل اللؤلؤ فكيف بالمخدوم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده إن فضل ما بينهم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» وروي: «أن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدامه فيجيء ألف ببابه لبيك لبيك».

.تفسير الآية رقم (25):

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25)}
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} أي يسأل كل بعض منهم بعضًا آخر عن أحواله وأعماله فيكون كل بعض سائلًا ومسؤولًا لا أنه يسأل بعض معين منهم بعضًا آخر معينًا ثم هذا التساؤل في الجنة كما هو الظاهر، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه إذا بعثوا في النفخة الثانية ولا أراه يصح عنه لبعده جدًا.

.تفسير الآية رقم (26):

{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)}
{قَالُواْ} أي المسؤولون وهم كل واحد منهم في الحقيقة {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ} أي قبل هذا الحال {فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أرقاء القلوب خائفين من عصيان الله عز وجل معتنين بطاعته سبحانه، أو وجلين من العاقبة، و{فِى أَهْلِنَا} قيل: يحتمل أنه كناية عن كون ذلك في الدنيا، ويحتمل أن يكون بيانًا لكون إشفاقهم كان فيهم وفي أهلهم لتبعيتهم لهم في العادة ويكون قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (27):

{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)}
{فَمَنَّ الله عَلَيْنَا} أي بالرحمة والتوفيق {ووقانا عَذَابَ السموم} أي عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم وهو الريح الحارة المعروفة، ووجه الشبه وإن كان في النار أقوى لكنه في ريح السموم لمشاهدته في الدنيا أعرف فلذا جعل مشبهًا به، وقال الحسن: {السموم} اسم من أسماء جهنم عامًا لهم ولأهلهم، فالمراد بيان ما منّ الله تعالى به عليهم من اتباع أهلهم لهم، وقيل: ذكر {فِى أَهْلِنَا} [الطور: 26] لإثبات خوفهم في سائر الأوقات والأحوال بطريق الأولى فإن كونهم بين أهليهم مظنة الأمن ولا أرى فيه بأسًا، نعم كون ذلك لأن السؤال عما اختصوا به من الكرامة دون أهليهم ليس بشيء، وقيل: لعل الأولى أن يجعل ذلك إشارة إلى الشفقة على خلق الله تعالى كما أن قوله عز وجل:

.تفسير الآية رقم (28):

{إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)}
{إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ} إلى آخره إشارة إلى التعظيم لأمر الله تعالى وترك العاطف بجعل الثاني بيانًا للأول ادعاءًا للمبالغة في وجوب عدم انفكاك كل منهما للآخر ولا يخفى ما فيه، والذي يظهر أن هذا إشارة إلى الرجاء وترك العطف لقصد تعداد ما كانوا عليه أي إنا كنا من قبل ذلك نعبده تعالى ونسأله الوقاية {إِنَّهُ هُوَ البر} أي المحسن كما يدل عليه اشتقاقه من البر بسائر مواده لأنها ترجع إلى الإحسان كبرّ في يمينه أي صدق لأن الصدق إحسان في ذاته ويلزمه الإحسان للغير، وأبرّ الله تعالى حجة أي قبله لأن القبول إحسان وزيادة، وأبرّ فلان على أصحابه أي علاهم لأنه غالبًا ينشأ عن الإحسان لهم فتفسيره باللطيف كما روي عن ابن عباس، أو العالي في صفاته، أو خالق البرّ، أو الصادق فيما وعد أولياءه كما روي عن ابن جريج بعيد إلا أن يراد بعض ما صدقات، أو غايات ذلك البر؟ {الرحيم} الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب، وقرأ أبو حيوة {ووقانا} [الطور: 27] بتشديد القاف، والحسن. وأبو جعفر. ونافع. والكسائي {أَنَّهُ} بفتح الهمزة لتقدير لام الجر التعليلية قبلها أي لأنه.

.تفسير الآية رقم (29):

{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)}
{فَذَكّرْ} فاثبت على ما أنت عليه من التذكير بما أنزل عليك من الآيات والذكر الحكيم ولا تكترث بما يقولون مما لا خير فيه من الأباطيل.
{فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبّكَ بكاهن} هو الذي يخبر بالغيب بضرب من الظن، وخص الراغب الكاهن بمن يخبر بالأخبار الماضية الخفية كذلك، والعرّاف بمن يخبر بالأخبار المستقبلة كذلك، والمشهور في الكهانة الاستمداد من الجن في الإخبار عن الغيب، والباء في {بكاهن} مزيدة للتأكيد أي ما أنت كاهن {وَلاَ مَجْنُونٍ} واختلف في باء {بِنِعْمَتِ} فقال أبو الباقء: للملابسة؛ والجار والمجرور في موضع الحال والعامل فيه كاهن، أو مجنون، والتقدير ما أنت كاهن ولا مجنون ملتبسًا بنعمة ربك وهي حال لازمة لأنه عليه الصلاة والسلام ما زال ملتبسًا بنعمة ربه عز وجل، وقيل: للقسم فنعمة ربك مقسم به، وجواب القسم ما علم من الكلام وهو ما أنت بكاهن ولا مجنون وهذا كما تقول: ما زيد والله بقائم وهو بعيد، والأقرب عندي أن الباء للسببية وهو متعلق ضمون الكلام، والمعنى انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله تعالى عليك، وهذا كما تقول ما أنا معسر بحمد الله تعالى وإغنائه، والمراد الرد على قائل ذلك، وإبطال مقالتهم فيه عليه الصلاة والسلام وإلا فلا امتنان عليه صلى الله عليه وسلم بانتفاء ما ذكر مع انتفائه عن أكثر الناس، وقيل: الامتنان بانتفاء ذلك بسبب النعمة المراد بها ما أوتيه صلى الله عليه وسلم من صدق النبوة ورجاحة العقل التي لم يؤتها أحد قبله، والقائلون بذلك هم الكفرة قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون، وممن قال كاهن: شيبة بن ربيعة، وممن قال مجنون: عقبة بن أبي معيط.

.تفسير الآية رقم (30):

{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)}
{أَمْ يَقُولُونَ} أي بل أيقولون {شَاعِرٌ} أي هو شاعر {نَتَرَبَّصُ} أي ننتظر {بِهِ رَيْبَ المنون} أي الدهر، وهو فعول من المنّ عنى القطع لأنه يقطع الأعمار وغيرها، ومنه حبل منين أي مقطوع، والريب مصدر رابه إذا أقلقه أريد به حوادث الدهر وصروفه لأنها تقلق النفوس وعبر عنها بالمصدر مبالغة، وجوز أن يكون من راب عليه الدهر أي نزل، والمراد بنزوله إهلاكه، وتفسير المنون بالدهر مروى عن مجاهد. وعليه قول الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلها ** تطلق يومًا أو يموت حليلها

وبيت أبي ذؤيب:
أمن المنون وريبة يتوجع ** والدهر ليس بمعتب من يجزع

قيل: ظاهره ذلك؛ وكذلك قول الأعشى:
أأن رأت رجلًا أعضى أضرّ به ** ريب المنون ودهر متبل خبل

ولهذا أنشده الجوهري شاهدًا له، وأخرج ابن جرير. وغيره عن ابن عباس تفسيره بالموت وهو مشتكر بين المعنيين فقد قال المرزوقي في شرح بيت أبي ذؤيب المار آنفًا: المنون قد يراد به الدهر فيذكر وتكون الرواية ريبه، وقد يراد به المنية فيؤنث، وقد روى ريبها، وقد يرجع له ضمير الجمع لقصد أنواع المنايا وريبها نزولها انتهى فلا تغفل، وهو أيضًا من المنّ عنى القطع فإنها قاطعة الأماني واللذات، ولذا قيل: المنية تقطع الأمنية، وريب المنون عليه نزول المنية، وجوز أن يكون عنى حادث الموت على أن الإضافة بيانية، روي أن قريشًا اجتمعت في دار الندوة وكثرت آراؤهم فيه عليه الصلاة والسلام حتى قال قائل منهم وهم بنو عبد الدار كما قال الضحاك تربصوا به ريب المنون فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير. والنابغة. والأعمشى فافترقوا على هذه المقالة فنزلت، وقرأ زيد بن علي {يتربص} بالياء مبنيًا للمفعول، وقرئ {بِهِ رَيْبَ} بالرفع على النيابة.

.تفسير الآية رقم (31):

{قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)}
{قُلْ تَرَبَّصُواْ} تهكم بهم، وتهديد لهم {فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ المتربصين} أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي، وفيه عدة كريمة بإهلاكهم.

.تفسير الآية رقم (32):

{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)}
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أحلامهم} أي عقولهم وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهي وذلك على ما قال الجاحظ لأن جميع العالم يأتونهم ويخالطونهم وبذلك يكمل العقل وهو يكمل بالمسافرة وزيادة رؤية البلاد المختلفة والأماكن المتباينة ومصاحبة ذوي الأخلاق المتفاوتة وقد حصل لهم الغرض بدون مشقة، وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله تعالى بالعقل؟ا فقال: تلك عقول كادها الله عز وجل أي لم يصحبها التوفيق فلذا لم يؤمنوا وكفروا وأنا لا أرى في الآية دلالة على رجحان عقولهم ولعلها تدل على ضد ذلك {بهذا} التناقص في المقال فإن الكاهن والشاعر يكونان ذا عقل تام وفطنة وقادة والمجنون مغطى عقله مختل فكره وهذا يعرب عن أن القوم لتحيرهم وعصبيتهم وقعوا في حيص بيص حتى اضطربت عقولهم وتناقضت أقوالهم وكذبوا أنفسهم من حيث لا يشعرون، وأمر الأحلام بذلك مجاز عن التأدية إليه بعلاقة السببية كما قيل، وقيل: جعلت الأحلام آمرة على الاستعارة المكنية فتشبه الأحلام بسلطان مطاع تشبيهًا مضمرًا في النفس، وتثبت له الأمر على طريق التخييل {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} مجاوزون الحدود في المكابرة والعناد لا يحومون حول الرشد والسداد ولذلك يقولون ما يقولون من الأكاذيب المحضة الخارجة عن دائرة العقول، وقرأ مجاهد {بَلْ هُمْ}.